فصل: سورة الطور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (46- 52):

{وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (46) وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52)}
{وَقَوْمَ نُوحٍ}، قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي: {وقوم} بجر الميم، أي: وفي قوم نوح، وقرأ الآخرون بنصبها بالحمل على المعنى، وهو أن قوله: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم}، معناه: أغرقناهم وأغرقنا قوم نوح. {مِنْ قَبْلُ}، أي: من قبل هؤلاء، وهم عاد وثمود وقوم فرعون. {إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}.
{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ}، بقوة وقدرة، {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ}، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: قادرون. وعنه أيضًا: لموسعون الرزق على خلقنا. وقيل: ذو سعة. قال الضحاك: أغنياء، دليله: قوله عز وجل: {على الموسع قدره} [البقرة- 236]، قال الحسن: مطيقون.
{وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا}، بسطناها ومهدناها لكم، {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}، الباسطون نحن: قال ابن عباس: نعم ما وَطَّأتُ لعبادي.
{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ}، صنفين ونوعين مختلفين كالسماء والأرض، والشمس والقمر، والليل والنهار، والبر والبحر، والسهل والجبل، والشتاء والصيف، والجن والإنس، والذكر والأنثى، والنور والظلمة، والإيمان والكفر، والسعادة والشقاوة، والحق والباطل، والحلو والمر. {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فتعلمون أن خالق الأزواج فرد.
{فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}، فاهربوا من عذاب الله إلى ثوابه، بالإيمان والطاعة. قال ابن عباس: فروا منه إليه واعملوا بطاعته. وقال سهل بن عبد الله: فروا مما سوى الله إلى الله، {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}.
{كَذَلِكَ}، أي: كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كذلك، {مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} من قبل كفار مكة، {مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}.

.تفسير الآيات (53- 56):

{أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56)}
قال الله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ}، أي: أوصى أولهم آخرهم وبعضهم بعضًا بالتكذيب وتواطؤا عليه؟ والألف فيه للتوبيخ، {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ}، قال ابن عباس: حملهم الطغيان فيما أعطيتهم ووسعت عليهم على تكذيبك، {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ}، فأعرض عنهم، {فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ}، لا لوم عليك فقد أديت الرسالة وما قصرت فيما أمرت به.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم واشتد ذلك على أصحابه، وظنوا أن الوحي قد انقطع، وأن العذاب قد حضر إذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتولى عنهم، فأنزل الله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، فطابت أنفسهم.
قال مقاتل: معناه عظ بالقرآن كفار مكة، فإن الذكرى تنفع من سبق في علم الله أن يؤمن منهم. وقال الكلبي: عظ بالقرآن من آمن من قومك فإن الذكرى تنفعهم.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}، قال الكلبي والضحاك وسفيان: هذا خاص لأهل طاعته من الفريقين، يدل عليه قراءة ابن عباس: {وما خلقت الجن والإنس من المؤمنين إلا ليعبدون}، ثم قال في أخرى: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الجن والإنس} [الأعراف- 79].
وقال بعضهم: وما خلقت السعداء من الجن والإنس إلا لعبادتي والأشقياء منهم إلا لمعصيتي، وهذا معنى قول زيد بن أسلم، قال: هو على ما جبلوا عليه من الشقاوة والسعادة.
وقال علي بن أبي طالب: {إلا ليعبدون} أي إلا لآمرهم أن يعبدوني وأدعوهم إلى عبادتي، يؤيده قوله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا} [التوبة- 31].
وقال مجاهد: إلا ليعرفوني. وهذا أحسن لأنه لو لم يخلقهم لم يعرف وجوده وتوحيده، دليله: قوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله} [الزخرف- 87].
وقيل: معناه إلا ليخضعوا إليّ ويتذللوا، ومعنى العبادة في اللغة: التذلل والانقياد، فكل مخلوق من الجن والإنس خاضع لقضاء الله، متذلل لمشيئته لا يملك أحد لنفسه خروجًا عما خلق عليه.
وقيل: {إلا ليعبدون} إلا ليوحدوني، فأما المؤمن فيوحده في الشدة والرخاء، وأما الكافر فيوحده في الشدة والبلاء دون النعمة والرخاء، بيانه قوله عز وجل: {فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين} [العنكبوت- 65].

.تفسير الآيات (57- 60):

{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}
{مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ}، أي: أن يرزقوا أحدًا من خلقي ولا أن يرزقوا أنفسهم، {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}، أي: أن يطعموا أحدًا من خلقي، وإنما أسند الإطعام إلى نفسه، لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه. كما جاء في الحديث يقول الله تعالى: {استطعمتك فلم تطعمني} أي: لم تطعم عبدي، ثم بين أن الرازق هو لا غيره فقال: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ}، يعني: لجميع خلقه، {ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ}، وهو القوي المقتدر المبالغ في القوة والقدرة.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا}، كفروا من أهل مكة، {ذَنُوبًا}، نصيبًا من العذاب {مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ}، مثل نصيب أصحابهم الذين هلكوا من قوم نوح وعاد وثمود، وأصل الذَّنُوب في اللغة: الدلو العظيمة المملوءة ماء، ثم استعمل في الحظ والنصيب، {فَلا يَسْتَعْجِلُونِ}، بالعذاب يعني أنهم أُخِّروا إلى يوم القيامة.
يدل عليه قوله عز وجل: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ}. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} يعني: يوم القيامة، وقيل: يوم بدر.

.سورة الطور:

مكية.

.تفسير الآيات (1- 5):

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)}
{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (5)}.
{وَالطُّورِ} أراد به الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه السلام بالأرض المقدسة، أقسم الله تعالى به.
{وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} مكتوب.
{فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ}والرق: ما يكتب فيه، وهو أديم الصحف، والمنشور: المبسوط، واختلفوا في هذا الكتاب، قال الكلبي: هو ما كتب الله بيده لموسى من التوراة وموسى يسمع صرير القلم.
وقيل: هو اللوح المحفوظ. وقيل: دواوين الحفظة تخرج إليهم يوم القيامة منشورة، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله. دليله قوله عز وجل: {ونخرج له يوم القيامة كتابًا يلقاه منشورًا} [الإسراء- 13].
{وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ} بكثرة الغاشية والأهل، وهو بيت في السماء حذاء العرش بحيال الكعبة يقال له: الضُّرَاح، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألفًا من الملائكة يطوفون به ويصلون فيه ثم لا يعودون إليه أبدًا.
{وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ} يعني: السماء، نظيره قوله عز وجل: {وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا} [الأنبياء- 32].

.تفسير الآيات (6- 8):

{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6) إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7) مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ} قال محمد بن كعب القرظي والضحاك: يعني الموقد المحمى بمنزلة التنور المسجور، وهو قول ابن عباس، وذلك ما روي أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة نارا فيزاد بها في نار جهنم، كما قال الله تعالى: {وإذا البحار سجرت} [التكوير- 6] وجاء في الحديث عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يركبن رجل بحرًا إلا غازيًا أو معتمرًا أو حاجًا، فإن تحت البحر نارًا وتحت النار بحرًا».
وقال مجاهد والكلبي: المسجور: المملوء، يقال: سجرت الإناء إذا ملأته.
وقال الحسن، وقتادة، وأبو العالية: هو اليابس الذي قد ذهب ماؤه ونضب.
وقال الربيع بن أنس: المختلط العذب بالمالح.
وروى الضحاك عن النزال بن سبرة عن عليّ أنه قال في البحر المسجور: هو بحر تحت العرش، غمره كما بين سبع سموات إلى سبع أرضين، فيه ماء غليظ يقال له: بحر الحيوان. يمطر العباد بعد النفخة الأولى منه أربعين صباحًا فينبتون في قبورهم. هذا قول مقاتل: أقسم الله بهذه الأشياء. {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} نازل كائن.
{مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} مانع قال جبير بن مطعم: قدمت المدينة لأكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فدفعت إليه وهو يصلي بأصحابه المغرب، وصوته يخرج من المسجد فسمعته يقرأ {والطور} إلى قوله: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع}، فكأنما صدع قلبي حين سمعته، ولم يكن أسلم يومئذ، قال: فأسلمت خوفًا من نزول العذاب، وما كنت أظن أني أقوم من مكاني حتى يقع بي العذاب.

.تفسير الآيات (9- 18):

{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9) وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا (10) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13) هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14) أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (15) اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17) فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)}
ثم بَيَّنَ أنه متى يقع فقال: {يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا} أي: تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤَ السفينة. قال قتادة: تتحرك. قال عطاء الخراساني: تختلف أجزاؤها بعضها في بعض. وقيل: تضطرب، والمور يجمع هذه المعاني، فهو في اللغة: الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب.
{وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْرًا} فتزول عن أماكنها وتصير هباءً منثورًا.
{فَوَيْل} فشدة عذاب، {يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} يخوضون في الباطل يلعبون غافلين لاهين.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ} يدفعون، {إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} دفعًا بعنف وجفوة، وذلك أن خزنة جهنم يغلون أيديهم إلى أعناقهم، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعون بهم إلى النار دفعًا على وجوههم، وزجًّا في أقفيتهم حتى يَرِدُوا النار، فإذا دنوا منها قال لهم خزنتها: {هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} في الدنيا. {أَفَسِحْرٌ هَذَا} وذلك أنهم كانوا ينسبون محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى السحر، وإلى أنه يغطي على الأبصار بالسحر، فَوُبِّخوا به، وقيل لهم: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ}.
{اصْلَوْهَا} قاسوا شدتها، {فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} الصبر والجزع، {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ} معجبين بذلك ناعمين {بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} ويقال لهم:

.تفسير الآيات (19- 21):

{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19) مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21)}
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} مأمون العاقبة من التخمة والسقم، {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} موضوعة بعضها إلى جنب بعض، {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} قرأ أبو عمرو: {وأتبعناهم}، بقطع الألف على التعظيم، {ذرياتهم}، بالألف وكسر التاء فيهما لقوله: {ألحقنا بهم} {وما ألتناهم}، ليكون الكلام على نسق واحد.
وقرأ الآخرون: {واتبعتهم} بوصل الألف وتشديد التاء بعدها وسكون التاء الأخيرة.
ثم اختلفوا في {ذريتهم}: قرأ أهل المدينة الأولى بغير ألف وضم التاء، والثانية بالألف وكسر التاء، وقرأ أهل الشام ويعقوب كلاهما بالألف وكسر التاء في الثانية، وقرأ الآخرون بغير ألف فيهما ورفع التاء في الأولى ونصبها في الثانية.
واختلفوا في معنى الآية، فقال قوم: معناها والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان، يعني: أولادهم الصغار والكبار، فالكبار بإيمانهم بأنفسهم، والصغار بإيمان آبائهم، فإن الولد الصغير يحكم بإسلامه تبعًا لأحد الأبوين {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} المؤمنين في الجنة بدرجاتهم وإن لم يبلغوا بأعمالهم درجات آبائهم تكرمة لآبائهم لتقرَّ بذلك أعينهم. وهي رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
وقال آخرون: معناه والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم البالغون بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان بإيمان آبائهم. وهو قول الضحاك، ورواية العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أخبر الله عز وجل أنه يجمع لعبده المؤمن ذريته في الجنة كما كان يحب في الدنيا أن يجتمعوا إليه، يدخلهم الجنة بفضله ويلحقهم بدرجته بعمل أبيه، من غير أن ينقص الآباء من أعمالهم شيئًا، فذلك قوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ} قرأ ابن كثير بكسر اللام، والباقون بفتحها أي ما نقصناهم يعني الآباء {مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}.
أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرني الحسين بن محمد بن عبدالله الحديثي، حدثنا سعيد بن محمد بن إسحاق الصيرفي، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جبارة بن المغلس، حدثنا قيس بن الربيع، حدثنا عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرفع ذرية المؤمن في درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقرَّ بهم عينه»، ثم قرأ: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم} إلى آخر الآية.
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، حدثنا أبو بكر بن مالك القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني عثمان ابن أبي شيبة، حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن عثمان عن زاذان عن عليّ رضي الله عنه قال: سألتْ خديجة رضي الله تعالى عنها النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن ولدين ماتا لها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هما في النار»، فلما رأى الكراهة في وجهها، قال: «لو رأيتِ مكانهما لأبغضتهما»، قالت: يا رسول الله فولدي منك؟ قال: «في الجنة» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمنين وأولادهم في الجنة، وإن المشركين وأولادهم في النار»، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذين آمنوا واتَّبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم».
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} قال مقاتل: كل امرئ كافر بما عمل من الشرك مرتهن في النار، والمؤمن لا يكون مرتهنًا، لقوله عز وجل: {كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين}، ثم ذكر ما يزيدهم من الخير والنعمة فقال: